دور هزلي.
سهام بدوي
كلتاهما كانت تفعل ما تفعل.
دور واحد وممثلتان.
كرجل مسطول ينظر في مرآة منشطرة ، يرى وجهين وقامة واحدة.
عينين وعينين، أنف وأنف، فينشغل بذلك الاعوجاج بين الصورتين، وينسى جسده. هكذا كانت كلتاهما تعرف ماتفعله مع الأخرى وبالأخرى وللأخرى.
لم يكن في العرض متفرج واحد ، لكن الدور ممتع ومشجع بذاته.
وهناك فقط متفرجتان فوق الخشبة.الديكور بسيط جدا، كرسيان في عربة السيدات بقطار حلوان الممل.
الساعة تبدو متأخرة ، فقط من نظرة واحد على كراس خلت من الأجساد، اللهم إلا في نهاية العربة، امرأة نامت مطمئنة يبدو يبدو أن محطتها هي الأخيرة ، ودائما في النهاية يجد المرء من يوقظه.
دائما في ................
في البدء ناوشت تلك المرأةالمرأة الجالسة بمواجهتها.
ـ الوقت اتأخر ؟
الأخرى بحماسة قطة يزجرونها لتستيقظ رغما عنها أومأت بالإيجاب.
لم يعجب المرأة المبادرة بالتحرش ذلك الرد، فباغتتها.
ـ انتي ممرضة؟؟
وبمشقة أجابت المرأة بالسلب.
بعد صبر وطولة بال استطاعت المرأة المباغتة النحيلة جدا كعود قصب ممصوص ـ أن تعرف عن تلك القصيرة المدكوكة كل شيء.
ـ قالك طالق بالتلاتة؟
ـ أيوة.أنا كمان خرّجته باللبس اللي عليه.
كان هذا كلام القصيرة المدكوكة.
أما عود القصب الممصوص فكان طلاقها مختلفالكنه أيضا كان طلاقا لاتصلح معه عودة إلا بمحلل أيضا.
يدخل بها أمام سمع وبصر الخايب كما أسمته.
واتفقتا على أن رقم ثلاثة رقم نحس.
فردت المدكوكة ساقيها بعدما اعتذرت لمن لاتصلح عودتها لزوجها إلا بمحلل.
وسار قطار حلوان يتهادى ويتبختر كأنما حكاياتهما
تصل إليه في جوف ليل بارد موحش غتؤنسه.
ولاندري من منهما التي روت أنها لاتنجب ، ومن التي أنجبت ومات طفلها مختنقا بسبب "سكر حمل" لم يشخّص مبكرا.
لكن هذا لايهم فكلتاهما حُرمت من لسان ينطق"ماما"
ويد تطلب لاتتوقف.
قالت عود القصب الممصوص إنها ورثت عن أمها اللسان الطويل وعن حمار أبيها العربجي الرّفس بالقوائم الأربعة .
وامتعضت المدكوكة التي كان لديها تصور خاص عن الزوجة الصالحة ، وأرادت أن تلقن الممصوصة درسا فقالت إن زوجها الله "يمسّيه بالخير" بكى وهو يطلّقها.
ابتسمت الممصوصة وهي تذكّر المدكوكة ـ التي نسيت ربما ماقالته منذ برهةـ بأن هذه الدموع العاشقة الولهانة لم لم تمنعها من إخراجه باللبس اللي عليه.
انتبهت المدكوكة لخبث الممصوصة وبدأت تتراجع وتتحفّظ وتحسب كل كلمة .
الصفاء وجيشان المشاعر والتعاطف ، كل هذا صار في تراجع وانحسار الآن ، وولدت كراهية لاذنب لها.
وانعكيت اللعبة. صارت المدكوكة تبادر عود القصب الممصوص بالأسئلة. تشتري ولاتبيع، حد عارف دي مين !
هكذا فكّرت وهي تفرد ساقيها أمامها في وجه الأخرى التي ضايقها سحب البساط من تحت رجليها.
فضبطت نفسها وهي تسن وتلعن ابن الكلب اللي أخد منها .........، وضبطت نفسها وهي تعترف بأنها كانت تضربه كما يفعل، وكم مرة رأت دمه الأحمر وهو ينزف.
ـ أبوكي كان عربجي قلتي لي؟
واستعدادا للنطح برزت قرون الممصوصة وهي تسألها عن عمل والدها.
ـ مات قبل مااتولد .
وعشان مات ، ماتت شغلته . كان إيه قبل مايموت؟
ـ موظف.
تهلل وجه عود القصب الممصوص وهي تقول:
ـ شحات يعني . وجوزك كان إيه؟
كانت المدكوكة تصف زوجها "مدرس الإعدادي" والممصوصة تصف زوجها "حكيم الصحة" أبو كرش.
وكان القطار يجر نفسه بالكاد. صوت أجهزته وعظامه يصل إليهما ، بينما سلام خافت ينمو ـ في ظل ود وصفاءـ من جديد.
انتقلت المدكوكة إلى جوار الممصوصة . رأسها ارتاحت على كتفها المعضّم الناشف.والقطار يجرهما معابتعبهما وضجرهما.
لاأدري من منهما التي قالت إن الحرية راحة والبعد عن الرجال نعمة، لكن لايهم لأن الأخرى قد وافقت بنفس الحماسة.
لاأدري من منهما التي تركت الأخرى وحيدة لأن محطتها أتت.
لكن لايهم مادام للأخرى محطتها أيضا ،ولما جاءدورها نزلت هي الأخرى.
لاأدري من منهما الكاذبة ومن الصادقة ،لكن هذا أيضا لايهم، لأن كلتاهما كانت تعرف ماتفعل.
ولاأدري من منهما التي أيقظت المرأة النائمة في نهاية عربة السيدات قبل نزولها.
أخيرا ، لست أدري هل هما امرأتان أم امرأة واحدة تنظر في مرآة منشطرة وتحادث نفسها.
أيضا لاأدري. فإن سألتموني متشككين عما إذا كانتا مجرد حلم خرج إلينا من رأس تلك النائمة في نهاية عربة السيدات، أقول إن سألتموني سوف أحيلكما إليها.
الآن هي المرجع الوحيد الموثوق به.
أما أنا فلا يهمني من هذا كله سوى هذا الدور الهزلي نفسه.