حلم لاثنين .
سهام بدوي.
(1)
وتقترب من البرواز الخشبي .تمدده على ظهره ، وبفازة صغيرة زرقاء تخبط الواجهة الزجاجية بحدّة .
وجهها هادىء صارم كأن هذا الميت لا يخصّها.
تنزع الصورة من بين الزجاج المفتت دون أن تنفضها.
يختفي الوجه المبتسم الآن .
الفراغ الذي تركه ـ بعد نزعه ـ له جمال خاص، كعين فُقأت لتعطي عمقا دون جلبة.
فراغ وصمت.
ووحدها تسمع دقات طبول غجرية تحت قمر ونّاس ، وحدها ترى رقص رجال عُراة ، يحملون الرماح ، ويلبسون جلود الفهود المقتنصة ، وانطلاق خيول الصحارى قبل الترويض. لكن ....
لكن هذه الوحدة غير المتمهلة التي تأكل الروح ، تهزأ وتشمت أيضا.
وتعرف أن الآخر مهما كانت ابتسامته من حبر وورق، مهما كان ثقيلا على القلب، مهما كانت عشرته غير مرغوب فيها ـ كملح زائدـ في طعام عليك أكله.
مهما كان صوت أنفاسه مزعجا ، يمنعك النوم والأحلام ، مهما أخذ منك بيتا مريحا وإغفاءات كسولة حرة إلا أنه يمنحك أيضا.
فعند رحيله ، تجد الوحدة ، هذا الساكن الجديد يمشي بحرية مالك المكان .
يضحك ويشمت وينتشي. يستخدم كل أشياءك دون إذن منك.
يشرب معك نخب صداقة جديدة. يعطيك واحدة من طبق الكريز، لتخفيف مرارة كأسك.
وأنت تجلس أمامه. تعرف أن أظافرك التي أكلتها سوف تنمو من جديد.
(2)
تفتح عينيها على اتساعهما ، لتحتوي كل هذه المرسام الذهبية المعلّقة في سقف غرفتها. مرساة من الذهب الحر تلمع متألّقة بأشعة شمس خافتة تصل إليها بالكاد.
.... تصعد باتجاه أشعة الشمس إلى الأعالي؛ لتصل إلى السطح . تتلفّت لترى تلك السفينة التي تقف أسيرة تلك المرساة الضخمة.
لاتجد شيئا سوى تلك السلاسل المعلّلقة بالمرساة تقبض على ماء مالح ـ ملحه زائد عن الحد ـ وتشد براحا أزرق.خلفها مباشرة ، سمعتها . صوتها كرئتي حوت هرب لتّوه من انتحار جماعي.
دائرة كبيرة طافية، تخرج منها يبع اذرع خشبية تتنفس بحرية بعد أن قطّعت شرايينهان وخلُصت لنفسها.
دفة تدور دورانا سريعا في الجهات الأربع ،لتتلافى خطرا ما .
تستيقظ يستيقظ . تقترب منه لتحكي له يباغتها هو ويحكي نفس الحلم.
ويناما معا ،بينما الساعات الطويلة المملة تمرح حولهما.
أما الوحدة طفلتهما السمينة المزعجة ...
الوحدة ، هذه الطفلة التي لاتكبر أبدا...
تحاصرهما أصوات خطواتها ، وقفزاتها العابثة بكل شيء ، كقطة محبوسة.
وأما هاتان الكرتان اللتان تخبطان السقف وتنزلان لتجدا يديها ،
فهما روحاهما بلا شك.